عرفت الساحة المسرحية الجزائرية العديد من المهرجانات التي قد تعكس في كثير من الأحوال واقع المسرح الجزائري وتبرز في مجرياتها المستوي الذي بلغه هذا الأخير أعمالا فنية ومؤسسة إدارية، وتجعل المتتبع يستشرف من خلال هذه المهرجانات المقدمة مستقبلا مسرحيا معينا.. فقبل أسابيع قليلة عاش مسرح محيي الدين باشطارزي علي وقع الطبعة الثانية من مهرجان المسرح المحترف الذي حمل صفة العربية هذا العام، وبقدر ما كان هذا المهرجان حدثا مهما في تاريخ مسرح بلادنا إلا أن الحديث عنه لم يخلُ من الانتقادات الموجهة للأعمال المقدمة وللجهة المشرفة علي حد سواء، بالنظر الي السلبيات التي أفرزتها مجريات طبعته العربية هذه، مع انتظار ما ستفرزه طبعة أخري مستقبلا.
وغير بعيد عن المهرجان الوطني للمسرح المحترف فقد عرفت مدينة مستغانم والمسرح الجزائري بشكل عام مهرجانين آخرين دأب المستغانميون علي تنظيمهما سنويا وهما المهرجان المدرسي المخصص للنشء وكذا مهرجان الهواة، وفي المهرجانين وجد النشاط ووجد معه التنافس وكانت النتائج. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بحدة هو هل عرفنا مسرحا حقيقيا من خلال كل هذه المهرجانات؟، وهل استطاعت هذه الأخيرة وغيرها من محطات مسرحية معينة أن تضيف شيئا جديدا للساحة المسرحية في بلادنا، أو ان تنبت في حقل المسرح الجزائري زهرة نافعة مثيرة ومؤثرة في نفس الوقت.. يا تري؟. فهذه أسئلة بسيطة تطرح وأفضل إرجاء الإجابة عنها إلي محطات أخري مماثلة أو أفضل بالاحري ترك الإجابة لمن هو اقدر مني والأقرب إلي المشرفين علي ما يسمي بالمسرح في بلادنا من المعنيين به بالدرجة الأولي.
ليس مهما في نظري أن نبني البيوت بأسس كارتونية، كما من غير المعقول أن نعطي للجبل فرصة التمخض ليلد لنا فأرا، فما قدمته هذه المهرجانات المسرحية لحد الساعة لا يمكن تشبيهه إلا بثورة زوبعة في فنجان، هذه ليست وجهة نظري الشخصية وحسب، بل هي شهادة كل الذين قدموا الجيد والجاد في المسرح الجزائري، كما أنها قرارات من هم أجدر مني في الحديث عن المسرح وعن واقعه المعاش، هو حديث فنانين ومختصين قدموا أرواحهم، أعمارهم، وقتهم وصحتهم للمسرح لكن في الأخير تجاوزهم الزمن وتجاهلتهم مهرجانات المسرح العديدة، بل تجاهلم من يحسبون علي هذا الفن العريق. اجزم كما جزم آخرون من قبلي بان هذه المهرجانات التي تحدثت عنها في البداية وكذا مهرجانات مماثلة لم نجنِ منها شيئا سوي البكاء أكثر علي حال مسرحنا وإطالة الندب علي أطلاله، المسرح الذي لم ير النور لحد الساعة بسبب مهرجانات طائشة واحتفاليات فارغة المحتوي في مجملها والمزركشة ببقايا الفراغ التي لا تفرز في اغلب أحوالها سوي الرداءة. مسرحنا لن يري النور حسب أهله الحقيقيين إلا إذا شاءت الأقدار وثارت ثائرة المبدعين الأحرار، وتوجت الأعمال الحقيقية بقرارات صائبة تسمح لها بالظهور، وأعطيت الفرصة لجيل يأخذ زمام الأمور ويصنع مسرحا حقيقيا لا كالذي نشهده اليوم مع احترامنا الشديد لمن يرعاه ويسعي لتطويره.
الأسف في موضوع المهرجانات المسرحية ليس أسفا حول المبالغ المالية الباهظة التي تصرف، بقدر ما هو تأسف عن تكريس رداءة علي المستوي العربي، الوطني أم الجهوي لان في الأخير المسرح هو المتضرر الأوحد من كل ذلك والعمل الجاد هو الخاسر الأكبر والفنان هو الضحية في الأخير، لان الرداءة ستطالهم جميعا وتقضي علي أحلامهم وإبداعاتهم إن وجدت. وفي انتظار استراتيجيات جديدة جادة وفاعلة في نفس الوقت علي غرار المهرجانات التي نعرفها كل موسم، تبقي الساحة المسرحية وما يتغذي منها، في حكم المجهول تصارع تيارا أقوي منها.
وبعيدا عن الاستهجان المطلق لهذه المهرجانات فإننا نطالب فقط وبالدرجة الأولي بتحسين وضع المسرح الجزائري عمالا وتسييرا، بعيدا عن التبذير والتلاعب بكل ما ينتمي لخارطة الإبداع الثقافي، وان كان من الصعب تحقيق ذلك بين عشية وضحاها، لكنه من غير المستحيل أن نعجل بتحقيقه إذا تواجدت إرادة قوية مسؤولة، وقرارات صائبة تجعلنا نحقق بناء مسرح في المستوي المطلوب، نتخطي به قافلة الزمن التي تقدمت عن مسيرتنا، ومضت مسرعة لتتركنا نتخبط وسط مشاكل ثقافية نحن في غني تام عنها. وفي ظل غياب ملفات حول أيام الجزائر المسرحية تحرك أجواء البحث عن البديل، ولا نجاحات المسرحيين في المسابقات ونيل الجوائز تهز شعرة لدي من يهمهم الأمر لوضع رؤية وتصور مشترك للحركة المسرحية في البلاد، لتبقي فكرة الانتظار دون العمل هي السائدة ويسود معها واقع نخشي أن يدوم ترديه.
أظن انه ومن المفترض أن يكون مسرح هذا العام نموذجا لبقية المسارح السابقة ولا أقصد هنا أن أخوض في الجانب السياسي في لحظة ثقافية حتي لا تصبح حياتنا كلها هموما سياسية، مع أن السياسة العربية اليوم هي جزء من التدمير الثقافي الحاصل بين ظهورنا كما يقول البعض، ولذا فليس هناك أدني علاقة بين ما يحدث ومعني السياسة لا مصطلحا ولا علما.
إلا أن ملامح المسرح يمكنها أن تكون أفضل هذا العام لبناء مسرح جديد خاصة وأننا نعيش تظاهرة ثقافية مميزة، قد تعد الفرصة الوحيدة السانحة والتي بامكانها أن تنقلنا من عالم الأزمات الثقافية المسرحية الي عالم الرقي المطلوب في الجانبين، هذا إن أحسنا استغلالها بالتأكيد، علي الرغم من شكي الكبير في ذلك، لان عمرها صار قصيرا جدا مقارنة بما مضي، ومع ذلك وبقليل من التناقض الايجابي، يحدوني أمل في أن تبقي الدقائق الأخيرة والإضافية هي الحاسمة، أي نفس الشيء كما يحدث في المقابلات الرياضية لدي من يحسن التصرف معها وارجو أن نكون كذلك.
وان تداعت مجموعة من المثقفين الذين حاولوا وضع اليد علي الجرح المسرحي بأن يضعوا لبنة جديدة في طريق المسرح علّ وعسي يحتذي بها الآخرون مستقبلا.
يظل الهاجس أمامهم يلح علي شكل سؤال قلق فعلا بحثا عن استراتيجية ناجعة تجيب علي الأقل عن سؤال حساس جدا هو كيف يمكن إنتاج مسرحيات جماهيرية دون السقوط في الابتذال، وذلك من أجل إعادة الجمهور للمسرح وهذا الأخير إلي حياته الطبيعية. لكن ومع ذلك وان قلنا شيئا مفيدا، تظل الأفكار حبيسة الورق كما هي العادة دائما في دنيا العرب، أما عن أهل المسرح لا أحد يسمع للمسرحيين في هذه الأرض ولا حتي من بين أنفسهم وهنا الطامة الكبري.
ہ كاتب من الجزائر
